أوج – جنيف
أكد رئيس بعثة تقصي الحقائق بشأن ليبيا محمد أوجار، ارتكاب الجرائم في جميع الأراضي الليبية بما فيها المياه الإقليمية، لافتا إلى تورط عدد كبير من الجهات منها جهات حكومية وغير حكومية، بالإضافة إلى دول خارجية ومرتزقة ومقاتلين أجانب.
وأوضح أوجار، في كلمته على هامش اجتماعات الدورة الـ48 لمجلس حقوق الإنسان في جنيف، تابعتها “أوج”، أنه من المستحيل معالجة حالة حقوق الإنسان منذ عام 2016م، مبينا أن رغم تقييد قدرتهم على التحقيق، لكنهم أجروا تحقيقات في سلوك أطراف النزاع المختلفة منذ 2016م.
وأضاف أنهم في الوقت القصير المتاح توصلوا إلى أدلة موثقة تشير إلى ارتكاب انتهاكات وتجاوزات لا حصر لها لحقوق الإنسان وجرائم دولية في ليبيا، قائلا: “دخلت ليبيا في مرحلة الحوار الوطني، لكنها لا تزال تعاني من حالة حقوقية مزرية بسبب أعمال العنف المستمرة طوال العقد الماضي”.
وأشار إلى أضرار فادحة لحقت بالأشخاص الأكثر ضعفا، كما عانى المدنيون من براثن الحرب ما يخالف القانون الدولي الإنساني، مبينا أن تزايد حالات الاختفاء القسري تسبب في تخوف العائلات من مصير ذويهم.
ولفت إلى انتشار أنماط التعذيب ضد مختلف المعتقلين في سجون عدة، بالإضافة إلى كثرة عمليات القتل خارج نطاق القانون بصورة روتينية كوسيلة للعقاب، بجانب تعرض شخصيات نسائية بارزة للاعتداء بهدف إسكاتهن، كما تم استخدام الأطفال بشكل مباشر في الأعمال العدائية.
وبيّن رئيس بعثة تقصي الحقائق، أن النازحين داخليا يعجزون عن العودة إلى ديارهم، كما يجد اللاجئون والمهاجرون أنفسهم عالقين في حلقة من العنف في البحر ومراكز الاحتجاز والمتاجرين بالبشر، مؤكدا أن العنف أثر على الحقوق الاقتصادية والاجتماعية لمختلف الليبيين.
وشدد على أنهم أولوا اهتماما بمزاعم ارتكاب جرائم فظيعة في بلدة ترهونة جنوب طرابلس، مبينا أنهم واجهوا تحديات في جمع المعلومات ورفض الكثير من الشهود التعامل معهم خوفا من الانتقام.
وأكد تلقيهم تقارير تفيد بأن بعض الجناة يصورون الاعتداء الجنسية لمنع الضحايا من التحدث خوفا من تداول تلك اللقطات المصورة، متابعا: “لم نمتلك موارد لازمة لتوفير الحماية للشهود، فتعاملنا مع أصحاب المصلحة الآخرين لضمان سلامة من تواصل مع البعثة”.
واستطرد: “نشجع الدول الأعضاء على تقديم المساعدة لنا في حماية الشهود، ونقدر مجهودات المنظمات غير الحكومية التي قدمت لنا المساعدة في التحقيقات”، لافتا إلى تردد وقلق المنظمات غير الحكومية في التعامل معهم بسبب مرسوم المجلس الرئاسي لحكومة الوفاق المنتهية ولايته لعام 2019م، والذي ينظم عملهم.
وذكر أوجار أن المنظمات شعرت أن نيتها الاجتماع مع اللجنة سيعرضها للانتقام من الحكومة والسلطات التنفيذية، قائلا: “نحث ليبيا على مراجعة المرسوم الرئاسي الذي ينظم عمل المنظمات غير الحكومية”.
وأفاد بأنه رغم التحديات، جمعوا المئات من الوثائق والأدلة وتحقيقات في ليبيا ودول الجوار، متابعا: “للأسف لم نتمكن السفر إلى بنغازي لأسباب لوجيستية وأمنية”، كما استطرد بقوله: “أثبتت تحقيقاتنا أن جميع أطراف النزاع منذ 2016م انتهكوا القانون الدولي الإنساني وبعض الأطراف ارتكبوا جرائم حرب”.
وأوضح أن الغارات الجوية أدت إلى مقتل عشرات العائلات وتدمير المرافق الصحية، كما تسببت الألغام المضادة للأفراد التي تركها المرتزقة في المناطق السكنية إلى مقتل المدنيين وتشويههم.
وأكد أوجار أنهم أثبتوا الاستخدام واسع النطاق للاعتقال التعسفي في السجون السرية، وبظروف احتجاز لا تحتمل من قبل الدولة والمليشيات، قائلا: “الاحتجاز كان يجري لأي شخص يعتقد أنه يمثل تهديدا لمصالحها، التعذيب في السجون الليبية قد يرقى إلى مرتبة الجرائم ضد الإنسانية”.
ونقل عن شاهد قوله، إنه تم عزل أكثر من 100 سجين عن باقي السجناء وكان يتعرض للتعذيب بشكل يومي، مبينا في سياق متصل، أن المهاجرين وطالبي اللجوء كانوا يتعرضون لانتهاكات وتجاوزات على نطاق واسع من قبل جهات حكومية وغير حكومية بمستوى عال من التنظيم وبتشجيع من الدولة.
وواصل بأن الانتهاكات ضد المهاجرين واللاجئين، توحي بأنه تم ارتكاب جرائم ضد الإنسانية بحقهم، مؤكدا أنهم توصلوا إلى استنتاجات تتعلق بالاختفاء القسري لشخصيات نسائية بارزة، بالإضافة إلى استخدام العنف الجنسي ضد مختلف النساء.
وأكد أوجار أن تقريرهم يوثق وجود مقابر جماعية في ترهونة، قائلا: “حددنا الجهات والأفراد والجهات الفاعلة من الليبيين والقوات الأجنبية المتورطة في تلك المقابر الجماعية، ويجب أن تتحمل الجهات المسؤولية على تلك الجرائم المرتكبة في ليبيا منذ عام 2016م”.
وأردف: “ستبقى هذه القائمة بالمتورطين سرية، حتى يكون هناك الحاجة إلى نشرها مع آليات المساءلة الأخرى”، داعيا إلى ضرورة إجراء المزيد من تحقيقات لحقوق الإنسان في ليبيا، كما طالب بتمديد عمل البعثة لمدة عام إضافي، لتتمكن من إجراء المزيد التحقيقات وتأثيراته على الحقوق الاقتصادية والاجتماعية في الفئات الأكثر ضعفا.
وأكمل: “سنوثق في حالة التمديد المزيد من حالات القتل خارج نطاق القانون والاختفاء القسري والعنف الجنسي”، متابعا: “في حال التمديد لنا سنذهب إلى جنوب ليبيا، للتحقيق في الجرائم المرتكبة خلال السنوات الماضية، وسيتسنى لنا دراسة أوسع وأكبر للجرائم المرتكبة في بلدة ترهونة في حال التمديد لنا”.
وأفاد بأنهم سيحققون في التمييز والعنف الجنسي والروابط بين مسؤولي الدولة والجماعات المسلحة والمتاجرين بالبشر عند التمديد لهم، قائلا: “سنحاول أن نكشف حال التمديد لنا الأسباب الكامنة وراء التوترات العرقية والإثنية في مختلف أنحاء ليبيا”.
وشدد على ضرورة تسهيل السلطات الليبية أي تحقيقات مقبلة بشكل مناسب، مطالبا بضرورة توفير حق الوصول إلى مختلف الأماكن والأشخاص موضع الاتهام، وضمان أن يتمتع أي شخص بحرية التواصل مع البعثة، بالإضافة إلى تسهيل التواصل مع الأشخاص المعنيين في شرق ليبيا.
ورأى أوجار أن حالة حقوق الإنسان في ليبيا تستدعي اتخاذ إجراءات طارئة لضمان استعادة الضحايا حقوقهم والحصول على تعويضات ومحاسبة كل من انتهك حقوق الإنسان، داعيا السلطات الليبية على تكثيف جهودها لأنه لا يمكن تحقيق الاستقرار والأمن دون ضمان المساءلة.
وسوم: الانتهاكات الجنسيةالتعذيب داخل السجونبعثة تقصي الحقائقجرائم إنسانية ودوليةحماية الشهودمقابر ترهونة