أوج – بروكسل
رأت مجموعة الأزمات الدولية، أمس الجمعة، أن تشكيل حكومة موحدة تتمتع بدعم المجموعات السياسية المتنافسة في ليبيا، وتحالفاتها العسكرية وداعميها الأجانب، إنجازاً تاريخياً؛ حيث تعمل هذه الحكومة على تحضّير الأرضية لإعادة توحيد المؤسسات السياسية والعسكرية التي كانت منقسمة حتى الآن وخاضت معارك ضد بعضها بعضاً منذ عام 2014م.
واعتبرت مجموعة الأزمات الدولية في تقرير لها، طالعته “أوج”، أن الذي ينبغي على الفصائل الليبية فعله، من أجل تحقيق تقدم في العملية السياسية الانتقالية وتحاشي التشابكات الإجرائية، هو الاتفاق على الإطار القانوني للانتخابات في أواخر العام الجاري، موضحة أنه ينبغي على مجلس النواب أن يعترف صراحة بالمجلس الرئاسي الجديد بصفته القائد الأعلى للقوات المسلحة، كما نصّت خارطة الطريق المدعومة من الأمم المتحدة في الحرث/نوفمبر 2020م.
وأشار التقرير إلى أنه رغم عدم احتمالية عودة الحرب في البلاد قريبًا في ضوء إشارة طرفي الصراع العسكريين، في البلاد بأنهما سيعملان مع السلطة التنفيذية الجديدة، وإعلان الداعمون الأجانب للطرفين دعمهم لحكومة الوحدة المؤقتة، إلا أن ثمة تحديات هائلة تواجه إعادة توحيد البلاد والتحضير للانتخابات في وقت لاحق من عام 2021م.
وأوضح، أنه ثمة تحديّان بارزان على نحو خاص الأول، هو غياب إطار قانوني وخطة للانتخابات، والثاني هو غياب الوضوح حيال القيادة الكلية للقوات المسلحة، مؤكدا على أنه ينبغي أن تكون معالجة هاتين المشكلتين أولوية لرئيس الوزراء، والمجلس الرئاسي ومجلس النواب.
وأضاف: ” وينبغي على الأمم المتحدة الاستمرار في مساعدة هذه الجهود”، معتبرا أنه لا يمكن وصف التطورات التي أفضت إلى تعيين حكومة وحدة مؤقتة جديدة بأقل من مذهلة.
وتابع: ” فقد وقّع الطرفان المتحاربان اتفاقاً لوقف إطلاق النار في التمور/أكتوبر 2020م، إلا أن المحادثات السياسية التالية بوساطة من الأمم المتحدة ظلت متوقفة”، مبينا أنه حدث اختراق في مطلع نوار/فبراير، عندما رشح منتدى الحوار السياسي الليبي المدعوم من الأمم المتحدة، والمكوّن من ممثلين عن المكونات المتعددة في البلاد، الدبيبة كرئيس للوزراء ومحمد المنفي لرئاسة المجلس الرئاسي المكون من ثلاثة أشخاص.
وأردف: “وخلال أسابيع، قدم رئيس الوزراء الجديد حكومته، وفي 10 الربيع/مارس، فاز في تصويت لمنح الثقة في البرلمان المنقسم. وبعد خمسة أيام، أقسمت حكومته اليمين، لتقوم الحكومتان المتنافستان بعد ذلك بتسليم السلطة”، لافتا إلى أنه رغم هذا التقدم، يواجه الدبيبة والمجلس الرئاسي مهمة شديدة الصعوبة تتمثل في إعادة توحيد بلد ما يزال منقسما جغرافياً وسياسياً.
ونوه إلى أن معظم الليبيين يأملون، بأن تقوم حكومة الوحدة المؤقتة، بتحسين الظروف المعيشية، وتوفير الخدمات الأساسية، وإعادة إطلاق الاقتصاد وتعزيز المصالحة بعد سنوات من الفوضى والصراع، إضافة إلى ذلك، فإنهم يتوقعون منها أن تنفذ خارطة الطريق المدعومة من الأمم المتحدة والتي وافقت عليها الأطراف الليبية؛ أي تنظيم انتخابات وإعادة توحيد المؤسسات المنقسمة، بما في ذلك الجيش والبنك المركزي.
وأشار إلى أنه ما من مهمة من هذه المهمات ستكون سريعة أو دون ألم؛ وستتطلب جميعها وقتاً وجهوداً متضافرة، مؤكدا أنه هناك ثمة عقبتان من شأنهما أن تعرضا العملية الانتخابية للخطر، تتعلق الأولى بوضع إطار للانتخابات؛ حيث اتفقت الفصائل الليبية المتنافسة على إجراء انتخابات في 24 الكانون/ديسمبر 2021م، لكنها لم تقرر حتى الآن طبيعة الهدف الذي ترمي إليه.
واستطرد: “الموافقة على مسودة دستور وضعته لجنة منتخبة في عام 2017 م، لكن لم يتم طرحه على التصويت الشعبي؛ أو انتخاب برلمان جديد؛ أو اختيار برلمان ورئيس”، معتقدا أنه ليس لهذا النقاش الذي يُحدث استقطاباً جواب صحيح أو خاطئ؛ إذ يمكن لإجراء استفتاء على مسودة دستور أولاً، أن يساعد في تسوية النزاعات المستمرة منذ عدة سنوات بشأن الإطار الدستوري للحوكمة؛ وإذا تمت الموافقة عليه، فإنه سيوفر تفويضاً بإجراء انتخابات تليه، بما في ذلك انتخابات رئاسية مباشرة.
وقدر بأن هذا الاستفتاء، يمكنه أن يؤجل تلك الانتخابات وكذلك تشكيل حكومة تتمتع بتفويض شعبي، مستدركا: “أما اختيار المضي مباشرة إلى صندوق الاقتراع فإنه سيوفر وقتاً، لكن الليبيين ما يزالون منقسمين على ما إذا كانوا يفضلون نظاماً برلمانياً أو رئاسياً في الحكم رغم أن مسودة الدستور تنص على الخيار الثاني”.
وبّين، أن لكلا النظامين “البرلماني والرئاسي” مزايا ومساوئ، حاثا حكومة الوحدة الوحدة المؤقتة والمجلس الرئاسي، دعوة الفصائل السياسية المتنافسة للاتفاق على أي من عمليتي التصويت تجري أولاً وأن تدعو البرلمان للموافقة على الإطار القانوني الضروري كي تتمكن الهيئة الانتخابية الليبية من تنظيم الانتخابات.
وذكرت مجموعة الأزمات الدولية، أنه ثمة دعم واسع لفكرة إجراء الانتخابات، لكن الدبيبة راوغ فعبّر عن دعمه لها علناً، في حين يعبر في مجالسه الخاصة عن رغبته بالبقاء في السلطة لعامين على الأقل. وفي الوقت نفسه، تجنب الدخول في النقاش الحاد حول أي من العمليتين ينبغي إجراؤها.
كما ذكرت مجموعة الأزمات الدولية: “يعبّر معظم البرلمانيين عن دعمهم للانتخابات لكن في مجالسهم الخاصة يعبرون عن رغبة بتأجيلها، على الأقل لأن ذلك يسمح لهم بالتمسك بمناصبهم”، مشيرًا إلى أن مثل هذا التردد، يخاطر بإثارة الاستياء الشعبي وإحداث أزمة سياسية جديدة.
ونصحت لتحاشي مثل ذلك الاحتمال، ينبغي على منتدى الحوار السياسي الليبي أن يتدخل لكسر المأزق، معتقدة أنه من غير المرجح أن يتم التوصل إلى توافق بالنظر إلى مدى الانقسام الذي ما يزال يثيره ترتيب العمليات الدستورية والانتخابية.
وأكملت: “لكن، وعلى عكس أي من المؤسسات القائمة، التي لا تمتلك حافزاً كبيراً على تغيير الوضع الراهن، فإن أعضاء المنتدى يمتلكون فرصة أكبر بتحريك العملية السياسية إلى الأمام، كما فعلوا في نوار/فبراير، عندما اختاروا سلطة تنفيذية جديدة.
وشددت على أنه ينبغي على الموفدين أن يصوتوا داخلياً على مقترح خارطة الطريق الانتخابية التي قدمها أعضاء اللجنة القانونية للمنتدى (الذي يفتقر إلى الإجماع على عدد من النقاط) والاتفاق على دعم أي نسخة أخيرة تحظى بالأغلبية.
وفيما يتعلق بالعقبة الثانية، أوضحت مجموعة الأزمات الدولية، أنها تتعلق بالغموض القانوني الذي يكتنف وضع القائد العام للقوات المسلحة، مبينة أن الخلافات التي حدثت في الماضي حول من يشغل هذا المنصب، أسهمت في ظهور تحالفين عسكريين متصارعين، لكل منهما بنية قيادة وتحكم خاصة به.
وقالت: “طبقاً لخارطة الطريق المدعومة من الأمم المتحدة، والتي اتفق عليها الطرفان في تشرين الحرث/نوفمبر 2020، فإن المجلس الرئاسي المكون من ثلاثة أشخاص يشغل هذا المنصب حالياً، إلا أن البرلمان لم يصادق على خارطة الطريق”، مشيرة إلى مجلس النواب ادعى أن مثل هذه الموافقة غير مطلوبة لإقرار النص.
وأضافت: “وهو تفسير يدعمه بعض السياسيين بينما لا يدعمه آخرون”، منوهة بأن القوات التي يقودها مجلس النواب وحفتر، يبدو أنها اعترفت بالمجلس على أنه السلطة العسكرية العليا؛ إذ أنهم فعلوا ذلك بالكلام دون تحويله إلى فعل رسمي من الناحية الفعلية.
ورأت في هذا الصدد، بأنه ينبغي على مجلس النواب، وبالتنسيق مع حكومة الوحدة المؤقتة والمجلس الرئاسي، المدعوم من الأمم المتحدة وقوى أجنبية، أن يوافق إما على خارطة الطريق المدعومة من الأمم المتحدة أو على وثيقة تعادلها تعترف صراحة بالمجلس الرئاسي كقائد أعلى للقوات المسلحة وأن يوضح صلاحيات الحكومة والمجلس على التوالي.
وتابعت: “أما ما إذا كان الهدوء السائد اليوم سيستمر وستنجح إعادة توحيد ليبيا فيعتمد على العديد من القضايا المتشابكة، بما في ذلك استمرار التوافق الدولي على مسار سياسي إلى الأمام”، خاتمة بالتنويه إلى أن تسوية هاتين المسألتين العالقتين سيساعد في تخفيف ما يمكن أن يشكل مرحلة جديدة عسيرة في المرحلة الانتقالية المضطربة السائدة في ليبيا منذ عام 2011م.