أوج – طرابلس
أكد مدير الرقابة المالية على القطاع العام بديوان المحاسبة رضا قرقاب، اليوم السبت، أن مشروع الميزانية أو المشروع المعدل مؤخرًا لم يحال رسميًا من حكومة الوحدة المؤقتة إلى الديوان، مشيرًا إلى أن ميزانية 2021م، تختلف بشكل كبير عن سابقتها في سنة 2020م؛ حيث لم تتجاوز ميزانية العام الماضي 38,5 مليار، في حين بلغت ميزانية العام الجاري نحو 97 مليار أي بمعدل زيادة 160% تقريبًا.
وأوضح قرقاب في تصريحات لصحيفة “صدى الاقتصادية”، طالعتها “أوج”، أن الفارق في الميزانية بين العامين، جاء لعدة اعتبارات، منها؛ التغير في سعر الصرف، واتجاه الحكومة نحو التوسع اللامعقول في الإنفاق.
وأضاف: “رغم ذلك لم تصدر الحكومة بشأنها أي تفصيل لأهداف عامة أو أهداف قطاعية مخططة مسبقاً، تجعلنا نقتنع بأنها أعدت على أسس علمية أو على الأقل وفق الأعراف المعمول بها في السنوات السابقة”.
وأشار إلى أن التغير في سعر الصرف يحدث فارقاً كبيراً في الأسعار، ويؤثر بشكل كامل على البنود التي تتعلق بالتحويلات الخارجية، مثل بند الدعم والدراسات العليا والبعثات والأدوية والمحروقات وغيرها، بالإضافة إلى بعض البنود الأخرى المتعلقة بالإعمار والتنمية ، بنسبة 70%على حد أقصى.
وتابع: “لكن لا يؤثر بشكل كبير على بنود الباب الأول والبنود الأخرى بالباب الثاني”، معتبرا أنه رغم ذلك لازالت الميزانية المعروضة مرتفعة وخالية تماماً من أي إصلاحات للسياسات الاقتصادية القائمة.
وأكد على أن البيئة الحاضنة والقدرة الاستيعابية للاقتصاد الوطني لا يمكنها بأي حال استيعاب ميزانية بهذا الحجم حتى لو اعتمدت في حينها، لاسيما والحكومة على أبواب النصف الثاني من السنة المالية، مبينا أن ضياع فرصة خمسة أشهر سابقة في تنفيذ الميزانية، سوف يجعلها تتكالب في اتجاه الإنجاز واستنفاذ أكبر قدر ممكن من المخصصات دون تحقيق أي أهداف.
واعتقد أن حجم القرارات الصادرة عن حكومة الوحدة المؤقتة مؤخراً، بشأن الإذن بالتعاقد بالتكليف المباشر، واستثناء بعض العقود والقطاعات من لائحة العقود الإدارية والوعود العاطفية بإنشاء بعض المشروعات هنا وهناك، خير شاهداً على ذلك .
ونوه إلى أن هناك أسباب أخرى ساهمت في ارتفاع الميزانية منها، تضمين الحكومة مصروفات الباب الأول التي كانت تصرف بالزيادة وخارج منظومة الرقم الوطني بالحكومة الليبية المؤقتة سابقاً، بالإضافة إلى 20%، من مرتبات بعض القطاعات التي تم خصمها في السنة السابقة، و قيمة المرتبات المرحلة سابقاً التي لم يتم الإفراج عليها حتى هذا التاريخ، ما أدى إلى ارتفاع مخصصات الباب الأول من 21,9 مليار إلى 34,9 مليار دينار، مشددا على أنه هذه زيادة غير مبررة؛ حيث يتطلب الأمر فلترة المرتبات التي انضمت للمنظومة خلال الفترة الأخيرة والتحقق من سلامتها ومن عدم وجود أي ازدواجية بشأنها، واستبعاد الزيادة الناتجة عن تضمين التزامات السنوات السابقة، وتبني مبدأ العدالة الاجتماعية وإصلاح نظام المرتبات .
ولفت إلى أن الباب الثاني، يتأثر بالتغير في سعر الصرف ولكن ليس بذلك الحجم الذي تم انعكاسه بمشروع الميزانية، معتبرا للمرة الثانية أن مقدار التغير من 3,8 مليار إلى نحو 16 مليار غير منطقي، حتى إذا أخذ في الاعتبار التوسع في هيكلة الحكومة، بزيادة عدد الوزارات والهيئات، وما يترتب على ذلك من أعباء إضافية تتحملها الميزانية مقابل تحقيق أهداف سياسية على حساب الأهداف المؤسسية والتنموية .
وفيما يتعلق بمشروعات التنمية، قال “قرقاب”: “لا ينطبق عليها مصطلح التنمية بمعناها الحقيقي؛ حيث أن ميزانية التنمية تسبقها خطة تنموية واضحة الأهداف”، مضيفا: “والبرامج يفترض أن تعدها الحكومة بشكل مسبق تم عكسها في أرقام ومؤشرات يتم تضمينها بالميزانية في شكل مشروعات محددة يتم التركيز فيها على استكمال المشروعات القائمة لزيادة الطاقة الاستيعابية وتجنب الدخول في مشروعات جديدة لا تتطلبها المرحلة”.
واعتبر أن ما تم تضمينه بنحو 22 مليار وبفارق 20 مليار دينار عن السنة السابقة، ما هي إلا بنود “فضفاضة” لا تستند على أي قواعد في اعدادها، خاصة في ظل عدم توفر قاعدة بيانات كافية لدى الحكومة، على حد تقديره، مردفا: “ولا أعتبرها من وجهة نظري الشخصية إلا فاتحة شهية للقطاع الخاص المحلي أو الخارجي ودغدغة لمشاعر الشباب بتخصيص مبلغ 100 مليون دينار بمسمى برامج الشباب دون تخطيط مسبق لها وينطبق الأمر ذاته على المشروعات التنموية بالمحليات وبرامج إعادة الإعمار”.
وحول ما يتعلق بنفقات الدعم بميزانية 2021م، قال “قرقاب”: بأن مقدار التغير بين السنة السابقة والسنة الحالية من 5,6 مليار إلى 23 مليار باحتساب معادلة سعر الصرف يعتبر مبرر في بعض البنود كدعم الأدوية والمحروقات، إذا أُخد في الاعتبار زيادة مخصصات القطاعات المقابلة لها”، مشيرا إلى أن هذه الزيادة لا تعكس وجود رغبة لدى الحكومة في تحسين سياستها في إدارة تلك الملفات.
وعن علاوة العائلة والأبناء، اعتبر “قرقاب”، أن ارتفاع مخصص علاوة الزوجة والأبناء الذي قدر بنحو 6,2 مليار دينار، يعد ارتفاعا غير منطقي، إذا ما قورن بمخصصات الميزانية العامة للدولة عن العام 2013 ؛ حيث لم تتجاوز مخصصات العلاوة كاملة 2.4 مليار دينار وهو فارق لا يتناسب مع زيادة عدد السكان، على حد تأكيده.
وفيما يخص باستحداث باب خامس بالميزانية العامة، وصف “قرقاب” ذلك بأنه استمرار “لبدعة لا مبرر لها بالقانون”، موضحا أنه قد قدر بواقع 3.5 مليار دينار كمخصصات طوارئ في حين كانت بنحو 5 مليار دينار في السنة السابقة.
وأكد على أن هذا التغير لا يعد تخفيضاً حقيقياً في مخصصات البند، إذا ما أخد في الاعتبار تخصيص مبلغ 2 مليار دينار لبند المتفرقات الذي لم يتجاوز 71 مليون دينار في السنة السابقة، مشددا بالقول: “إنه في ظل اشتراك البندين في عدم وجود مواد حاكمة لهما، ما كان ولا زال مدعاة للفساد والتصرف في تلك المخصصات بدون ضوابط، ناهيك على أن هذه البنود جاءت مخالفة لقواعد إعداد الموازنة العامة التي تقوم على نظرية الأموال المخصصة”.
وبالنسبة لجانب الموارد، أشار “قرقاب”، إلى أن جانب الإيرادات وخاصة النفطية، يتأثر بشكل مباشر بالتغير في سعر الصرف وعلى هذا الأساس تم احتساب الإيرادات النفطية بقيمة 94 مليار، لافتا إلى أن اعتمادها على سعر 4.48 دينار مقابل الدولار الواحد بدل اعتمادها على السعر التوازني، يعني بأن الحكومة أصدرت حكماً مسبقاً بعدم التعديل في سعر الصرف على الأقل خلال العام الجاري.
ونوه أيضا إلى أن القيمة احتسبت على أساس معدل إنتاج 1.100 برميل بسعر 50 دولار للبرميل، دون الأخذ في الاعتبار التغيرات المحتملة في أسعار السوق أو اختلال معدلات الإنتاج، لاسيما وأن البيئة غير مستقرة.
وذكر، أن ليبيا لديها تجارب سابقة في هذا المجال، وأنه كان على الحكومة أخدها في الاعتبار، معتقدا أن باقي الإيرادات كالجمارك والضرائب، رغم تأثرها بشكل غير مباشر بالتغير في سعر الصرف، إلا أن هذا الأثر لم ينعكس على بنود الميزانية؛ حيث تم إدراجها بمعدل منخفض عن السنة السابقة دون الأخذ في الاعتبار الزيادة الكبيرة في الإنفاق العام.
وأكد على أن هذا يعكس نية الحكومة بشكل مسبق إخفاء إخفاقها في نظم الجباية ومحاولة الظهور بمظهر حسن، أو عدم نيتها عقد أي إصلاحات بالخصوص، أو ربما عدم درايتها بتأثر البنود ببعضها، معتبرا ذلك “طامة كبرى”، على حد تعبيره، خاصة وأن ذلك ينطبق نسبياً على البنود الأخرى في جانب الإيرادات.
ورأى “قرقاب”، أنه في العموم حجم الموازنة لهذه السنة “كبير جداً”، بغض النظر عن التغيرات التي يفرضها سعر الصرف؛ حيث لم تتجاوز التحويلات الخارجية للحكومة في السنة السابقة، وفق تقارير مصرف ليبيا المركزي 6 مليار دولار، أي ما يعادل 8.4 مليار دينار بسعر صرف 1.4 للدولار، موضحا أنه بذلك، فإن الزيادة المبررة عند سعر صرف 4.48 دولار لن تتجاوز 27 مليار دينار، بالإضافة إلى الزيادة المقررة في مخصصات الباب الأول أو في بعض البنود الإضافية بالباب الثالث، إذا ما تم افتراض تحويل ما يقارب 70 % منها بالنقد الأجنبي .
وتطرق “قرقاب”، إلى النصوص الحاكمة، معتبرا إياها يشوبها العديد من أوجه القصور والتضارب والغياب في بعض النصوص الضرورية التي تحكم التصرف ولا يتسع المقام لذكرها .
وفيما يتعلق بتوقعه اعتماد مجلس النواب للميزانية على شكلها الحالي، عبر “قرقاب”، عن أسفه بأنه لم تسنح الفرصة لديوان المحاسبة، مراجعة الميزانية مع اللجنة المختصة بمجلس النواب قبل البث فيها، مؤكدا أنه لو كان الأمر بيده لأشار باعتماد أبواب الميزانية الأول والثاني والرابع بشكل عاجل، بعد الأخذ بالملاحظات التي أحيلت سابقاً للحكومة، وذلك لضمان عدم تعثر الحكومة في تقديم خدماتها للمجتمع، مع التوصية بفصل ميزانية التنمية وتقديمها كميزانية مستقلة تعرض لاحقاً مرفقة بخطة قابلة للتنفيذ ليتسنى دراستها على مهل قبل اعتمادها.