أكد رئيس وزراء الحكومة المؤقتة الأسبق، علي زيدان، أن اجتماع اللجنة العسكرية الليبية 5+5 وقائد القيادة الأمريكية في إفريقيا “أفريكوم”، الجنرال ستيفين تاونسند، في قاعدة معيتيقة في هذا التوقيت تحديدًا، يحمل رسالة واضحة لليبيين بأنه “كفاكم عبثًا واستهتارا وعدم اكتراث وانكفاء على الأهواء والمصالح والغايات التى لم تعد يحكمها العقل”.
وأوضح زيدان في مقابلته مع برنامج “تغطية خاصة” المذاع على قناة “ليبيا بانوراما” تابعتها “أوج”، أن الأطراف الليبية السياسية والعسكرية أو المسلحة تمادت في الخلاف، وفي توجيه البنادق نحو بعضها البعض واستباحة الوطن والاستهتار بكافة مقدراته.
وشدد على أن هذا هو السبب الذي جعل المجتمع الدولي يقول: “كفى عبثًا نحن لم نعد نمزح ولن نتساهل أو ننظر للأمور بالمنظار الأول، أعطيناكم فرصة كبرى بالصخيرات ثم جنيف، وحاولنا أن نستخرج منكم حكومة ومجلس رئاسي، فإذا لم تكونوا هذه المرة في المستوى الذي تقتضيه مصلحة بلدكم سيكون الأمر أسوء مما تتخيلون”، مردفًا بقوله “في الحالتين سواء كانت الحكومة أو المجلس الرئاسي لم يكونا على المستوى المطلوب”.
وذكر أن زيارة قائد “أفريكوم” ليست الأولى، فعلى مدى العشر سنوات الماضية منذ 2011 كان يزور ليبيا مرة أو مرتين كل عام، لكن هذه الزيارة الأن يكتسبها وضع آخر بسبب الاجتماع مع لجنة 5+5 العسكرية في قاعدة معيتيقة.
وبيّن أن الولايات المتحدة بدا عليها انزعاج كبير منذ أن حلت قوات “فاجنر” في سرت والجفرة والجنوب، ما يذكرنا بالحرب الباردة وطبيعة العلاقة بين الاتحاد السوفيتي والولايات المتحدة، لافتًا إلى أن التصريحات المتتالية للرئيس الأمريكي حول المسألة الليبية كانت تُنبئ بأن أمريكا فعلا منزعجه من هذا الأمر.
وذكر زيدان أن سبب انزعاج الولايات المتحدة من تواجد “فاجنر” هو أن هذه المجموعة المسلحة متبناه من قبل الحكومة الروسية، بجانب أن ليبيا هى ساحل بمساحة 2000 كيلو متر مُطل على مرابط الأسطول الأمريكي الموجود فى البحر المتوسط وأساطيل الحلف الأطلسي.
ورأى أن الولايات المتحدة لم يعد بمقدورها تحمل أي خلل في وضعية أمن ليبيا، أو التواجد العسكري الدولى بها بما قد يسمح بظهور سيادة أخرى في المنطقة غير حلف شمال الأطلسي والولايات المتحدة، لذلك نفروا وجاءوا إلى ليبيا لحسم هذا الأمر.
ويعد التنسيق الأمني في ليبيا، بحسب زيدان، إشكالية المجمع الدولي والدول الغربية بإعتبارهم الحلفاء الأقدم، مؤكدًأ أنهم سيظلون حلفائنا شئنا أم أبينا، لأن مصلحنهم تقضي بتواجدهم في ليبيا.
وتابع قائلا: “من البراعة والأهمية إذا أردنا وطننا ليبيا أن نتعاون معهم بالكيفية التي تحقق مصالحنا”، مشيرًا إلى أن المشكلة الموجودة في ليبيا منذ 2011م هي ماذا يريد الليبيين؟
ونوه إلى أن الولايات المتحدة بعد ما حدث في جنيف من طرح لموضع الانتخابات وغيرها، يريدون الآن أن تكون هناك حكومة قادرة على التعامل معهم برؤية سياسية واضحة، وبقدرة وتفاهم مع كافة الأطراف، وتستطيع جمعهم في بوتقة واحدة حتى يكون التعامل معهم أسهل.
وبيّن أن الولايات المتحدة كانت دائمًا جادة في دعمها للحكومات الليبية المتتابعة، وأن الإشكالية عند الحكومات الليبية في أنها كانت تنقصها القوة في الوفاء بالالتزامات الموكلة إليها، مردفًا بقوله: “كنا حكومات بدون جيش وشرطة واستخبارات ومخابرات، وبدون جهاز وظيفي للدولة يقوم بكل واجباته”.
وفيما يخص قانون دعم الاستقرار، الذي وافق عليه مجلس النواب الأمريكي مؤخرا، يرى زيدان أن انسحاب “الفاجنر” من ليبيا سيكون نتيجة تفاهم سواء كان مُعلن ومتفق عليه بلغة الكلمات أو بالإشارة، فالمجموعة الروسية لن تغادر إلا بناءً على تفاهم مع موسكو، مبينا أن إصدار الولايات المتحدة لقانون دعم الاستقرار في هذا التوقيت يدل بكل وضوح على إصرار أمريكا على تواجدها في المنطقة وأنها جادة بألا تكون ليبيا مخرقا أمنيا لأوروبا.
وأوضح أن الولايات المتحدة بهذا القانون تقولها صراحة “لن نسمح لهذا الجدار الأمنى المنهار أن يستمر منهارًا، لا بد أن توضع ضوابط صارمة كي لا يستمر المشهد الأمنى كما هو من مئات الجثث من البحر المتوسط التي تنتشل والتهديد الدائم لفرنسا وإيطاليا واليونان ولمختلف بلدان البحر المتوسط على الضفة الشمالية”.
وتطرق بالحديث عن نكبة فبراير وما حدث بعدها، مؤكدًا أن الدولة انهارت انهيارا كليا في 2011 بعد سقوط النظام الجماهيري، زاعما أن ليبيا في عهد القائد الشهيد معمر القذافي كانت مهترئة أيضًا، بداية من 1 الفاتح/سبتمبر سنة 1969م إلى أن جاءت نكبة فبراير ودمرتها بالكامل.
وتابع: “عندما بدأت حركة فبراير 2011م كان هناك نوع من التضامن والوحدة وكان الهدف معروف قبل سقوط القذافي، ولكن بعد سقوطه تشتتنا، وانقسمنا إلى مجموعات تسعى لمصلحتها ومنطقتها، وأصبح السلاح موجه لليبيين، فما بينهم وأصبحت البلاد فى مهب الريح وزادت التداعيات، ووجد الأمريكان أنه لم تعد أمامهم دولة يستطيعوا الاتفاق والتحدث معها، وتحديد كيفية فتح آفاق التعاون، وبالتالي أصبحوا في حيرة من أمرهم”.
واستطرد: “نحن دولة تكونت من ضعف، والرجال الذين كونوها في ذلك الوقت في أربعينات وخمسينات القرن الماضي عرفوا هذه الحقيقة وتعاملوا معها بكل حكمة وعقل، ولا زلنا نعيش أثارهم التي تركوها”.
ويرى أن المجتمع الدولى لن يترك ليبيا تواجه مصيرها، فهي ليست الصومال ولا أفغانستان، إنها في صميم البحر المتوسط، على حد تعبيره، مضيفا: “إذا لم نكن نملك دولة قادرة على استيعاب التعامل مع المجتمع الدولى وتحقيق ما يتوخاه منا من تعاون، وهي شراكة مفروضنا علينا سواء قبلنا بها أو لم نقبل، فلن يتركنا المجتمع الدولي”.
وحول الأضرار الواقعة على الدول المجاورة نتيجة الأحداث في ليبيا، أكد زيدان أن هناك ضررا كبيرا واقعا على تلك البلدان، وتتحمل ليبيا المسؤولية كاملة عن ذلك، موضحًا أنه لم يكن هناك اتفاق بين الليبيين، وأصبحت اللغة بينهم “البندقية” والقنبلة والتفجير والذبح والتصادم وعدم الاحترام والكراهية.
وواصل: “الضرر الواضح الواقع من ليبيا على دول الجوار أنها لم تقم بدورها المنوط بها تجاه هذه الدول، لقد فرطنا فى الدولة وأصبحنا نستأجر المرتزقة من إفريقيا وغيرها لنحارب بها بعضنا البعض”.
وذكر أن ليبيا لا يوجد بها دبلوماسية، قائلًا: “عن أى دبلوماسية نتحدث عندما تناقش وتٌثار القضايا العالقة بين الدول في الإعلام، بما يحمل استفزاز للرأي العام ولمشاعر المواطنين في كلا البلدين، وعلى سبيل المثال على ذلك تونس”.
وشدد زيدان على أن علاقة ليبيا بمصر أيضَا قوية وترجع لعمق التاريخ، ويجب المحافظة عليها والتعاون معها، مستطردا: “ليس هناك أي سبب يدفعنا لأذية دولة أو صديق يجب أن تكون علاقتنا مع الجميع جيدة”، منوهًا إلى أن العلاقات الدبلوماسية لو ظل التعامل فيها بالتصريحات غير المسؤولة فلن نصل إلى ما نريد.
ولفت إلى اتفاقية مراقبة الحدود التي وقعتها حكومته، مبينا أنها اتفاقية قديمة من ضمن الاتفاقية الإيطالية التى وقعها القائد الشهيد معمر القذافي وحاولت حكومته تنفذها، ولكن إشكالية عدم الاستقرار بسبب وجود المجموعات المسلحة في ذلك الوقت جعلت من المستحيل تنفيذ أي خطة.
وأكد أن ليبيا الآن دولة غير متحكم فيها، حيث يوجد بها شباب مسلح ومنفلت، كما فتحت حدودها ودخلت المرتزقة والقوات الأجنبية من جميع البلدان حتى أصبح فكرة السيطرة عليهم مستحيلة.
ويرى أن ليبيا تٌدار الآن بسفراء الدول الأجنبية ودول الجوار سواء شرق أو غرب في ظل غياب واضح لوزارة الخارجية الليبية، وغياب للدبلوماسية والحكومة، مهاجمًا نجلاء المنقوش بقوله: “نجلاء مظلومة في موقعها الآن، أنا أحترمها ولكن ليس لها علاقة بالعمل الدبلوماسي، وجميع وكلاء وزارة الخارجية من الشارع، العمل الدبلوماسي يريد تدقيق ونسج وصمت والكلام في وقته وهذا غائب في الدولة الليبية”.
وشدد على أنه يجب أن يكون على رأس ليبيا ساسة لديهم من الحنكة والحكمة والمعرفة والخبرة ما يجدوا به أفاق وضروب ونافذ لمعالجة هذه المسائل الدبلوماسية العالقة مع تشاد في قضية “فاجنر” وغيرها، مؤكدا على استعادة الدولة بخبرة وإرادة الساسة الذين يستطيعون ان ينسجوا سياسة تخرج ليبيا من أزمتها.
وطالب الليبيين باستعادة حب الوطن، وحب بعضهم البعض، والالتفات إلى الخلف والنظر للتاريخ وما فيه من عبر وعظات، كما طالبهم بالتجمع على كلمة واحدة واستجماع كل القوة المتاحة من أجل جمع الوطن، مؤكدًا أنه إذا لم يحدث هذا ستكون ليبيا شرقًا وغربًا في خبر كان ويقسم الجنوب، على حد قوله.
وانتقل بالحديث حول الانتخابات البرلمانية، قائلاً: “الليبيون منذ 2011م لا يفكرون سوا في مصلحتهم الشخصية، وهذه المشكلة الحقيقة للقوى السياسية، فإذا لم يفق الليبيون ويتحدوا وتكون الدولة مصلحتهم الأولى، وينتهى هذا الخرق الموجود بين الشرق والغرب، ويتم الالتفات إلى الجنوب الذي كاد أن يُسلب ونتنازل، لن يكون هناك دولة”.
وأضاف أن التطورات التي حدثت منذ 2011م حتى الآن من احتراب وخلاف وبروز المصالح الكبيرة هي التي تحكم الأمور في ليبيا.
وأكد أن الانتخابات إذا لم تعقد في موعدها ستكون كارثة بالنسبة لليبيا، وعلى الليبيين أن يتغلبوا على التحديات التي تعترض طريق الانتخابات، ويختاروا رئيس وبرلمان وحكومة قادرة تستطيع أن تُدير دولة بحجم ليبيا.
وأتم بقوله “إذا الليبيون قاموا بدورهم، المجتمع الدولي سيؤيد ويبارك ويتيح فرصة لمن انتخبوا، ورسالتي الوحيدة للجميع انتخبوا من هو قادر على تمثيلكم”.
وينتظر الليبيون إجراء الانتخابات الرئاسية والبرلمانية في 24 الكانون/ديسمبر المقبل، حسبما حدد أعضاء ملتقى الحوار السياسي بعد جولات واجتماعات مباشرة وافتراضية على مدار شهور خلال الفترة الماضية، برعاية بعثة الأمم المتحدة للدعم في ليبيا.
واختار أعضاء الملتقى السياسي سلطة تنفيذية جديدة تمهد لإجراء الانتخابات في موعدها المحدد نهاية العام الجاري؛ حيث فاز محمد المنفى بمنصب رئيس المجلس الرئاسي، وعبد الحميد الدبيبة بمنصب رئيس الوزراء بالسلطة التنفيذية الليبية، إضافة إلى موسى الكوني وعبد الله اللافي كعضوين بالمجلس الرئاسي، بعد فوز قائمهم في تصويت أعضاء الملتقى السياسي.
وسوم: الانتخابات الليبيةالحكومات المتعاقبةالمجتمع الدوليالولايات المتحدةانهيار الدولةقائد أفريكوملجنة 5+5