أوج – طرابلس
أكد مدير قسم الإعلام بجهاز النهر الصناعي العظيم صلاح الساعدي، أن فرق العمل حاليا تقوم بعلاج تسريب المياه بالخط الناقل من الجنوب إلى المنطقة الشرقية “تازربو – بنغازي”، والذي حدث به انفجار مساء يوم الخميس الماضي، مشيرًا إلى أن السبب الحقيقي للتسريب غير معروف حتى الآن.
وأشار في مداخلة هاتفية عبر فضائية “ليبيا الحدث”، تابعتها “أوج”، إلى أن رئاسة جهاز النهر عقدت اجتماعًا موسعًا اليوم ضم كل الخبراء والمختصين والفنيين بجهاز النهر لمناقشة الإخفاق وأسباب التسريب وطرق الإصلاح، لافتا إلى أنه تم وضع عدة سيناريوهات للتعامل مع الأزمة، وأن وزارة المياه تتابع مع الجهاز لحظة بلحظة.
وأوضح أنه تم وقف ضخ المياه إلى الأنبوب الذي وقع به الخلل والبالغ قطره 4 أمتار، كما تم سحب المياه بالأنابيب المحيطة، تمهيدا لتجفيف المنطقة التي تحولت إلى برك مليئة بالمياه المسربة، مشيرًا إلى أنه سيتم خلال أيام قليلة معرفة السبب الحقيقي للتسريب وما إذا كان نتيجة خلل فني أم بفعل فاعل، مرجحًا أن يكون خللا فنيا وليس ناتجا عن عمل عدائي.
وأضاف أنه تم وضع عدة سيناريوهات بدأت بتوجيه الدعم الكامل وتذليل الصعوبات وتوفير كافة الاحتياجات من معدات وآليات، والتي تم نقلها إلى المنطقة لبدء العمل على إصلاح الأنبوب.
وعن أضرار التسريب وما إذا كان سيؤثر على تدفق المياه للمنطقة الشرقية، أشار إلى وجود خطين ناقلين للمياه من الجنوب، حيث تم وقف التدفق عن الأنبوب المسرب ونقل المياه إلى المسار الآخر، مؤكدًا أن المياه لن تنقطع بشكل كامل ولكن قد تشهد نوعا من ضعف الإمداد.
ونفى ما تردد عبر مواقع التواصل الاجتماعي من أن المياه سوف تنقطع بالكامل مؤكدًا أن هذا الكلام غير صحيح على الإطلاق، مطالبًا المواطنين بالتعاون مع إدارة الجهاز عن طريق ترشيد الاسنهلاك والمحافظة على المياه قدر الإمكان حيث سيقل منسوب المياه خلال الفترة المقبلة.
وأوضح أن الإصلاح الكامل للخط الناقل قد يستغرق بين 45 و60 يوم عمل تشمل الحفر على الأنابيب وإخراجها واستبدالها بأنابيب أخرى، مشيرا إلى أن النهر تعرض من قبل لعمليات اعتداء وسرقة وتخريب.
وكانت وكالة “نوفا” الإيطالية، سلطت الضوء على الاعتداءات والسرقات والتخريب لآبار النهر الاصطناعي العظيم، في ظل الغياب التام للأجهزة الأمنية، آخرها الهجمات على البئر رقم 079 في الحقل الجنوبي، بالقرب من الخط C3، الذي يعتبر من أكثر الآبار مهارة.
وأفادت الوكالة، في تقرير لها، قبل أيام، طالعته وترجمته “أوج”، بأنه عندما تم افتتاح أول خط أنابيب من مرزق إلى طرابلس عام 1996م، أطلق عليه القائد الشهيد معمر القذافي اسم “الأعجوبة الثامنة” في العالم، لكنه تحول الآن إلى سلاح في الحرب الليبية.
وبينت أن “النهر الصناعي العظيم” عبارة عن شبكة معقدة تتكون من 4000 كيلومتر من خطوط الأنابيب و270 محطة ضخ، وتخضع في معظمها لسيطرة المليشيات، موضحة أنه قناة مائية عملاقة كلفت ما يقرب من 50 مليار دولار وثلاثين عامًا من العمل، ويعد بنفس أهمية النفط بالنسبة لليبيا.
وأضاف التقرير أنه خلال حملة للبحث عن رواسب نفط خام جديدة في عمق جنوب الصحراء الليبية، أطلقت في أواخر الستينيات في عهد الملك إدريس السنوسي، تم تحديد احتياطيات هائلة من المياه الجوفية عالية الجودة تقدر بـ35 ألف كيلومتر مكعب من المياه العذبة تحت الأرض، لكن تم إهمال الأمر بالتركيز على النفط.
وأوضح أنه بعد عشر سنوات من ثورة الفاتح من سبتمبر، عُهدت بدراسة جدوى لاستغلال هذا الكنز إلى شركة أمريكية تسمى “كيلوج براون & روت أوف هيوستن”.
وبيّن أنه في التمور/أكتوبر 1983م، تم إنشاء هيئة النهر الصناعي الكبرى، وإطلاق مشروع النهر الصناعي العظيم رسميًا، وهو مشروع حفر الآبار، وبناء خطوط الأنابيب “مدفونة تحت رمال الصحراء لمنع التبخر”، وبناء محطات ضخ للسماح بمرور المياه، التي تتدفق في مسار مسطح وتربط كل شيء بشبكة المياه الموجودة على الساحل الليبي.
وذكر التقرير أن الأنابيب التي يبلغ قطرها أربعة أمتار والمصنوعة من الخرسانة، تغطي مسافة أربعة آلاف كيلومتر، تم إنتاج جميع المواد محليًا في مصنع بالقرب من البريقة بواسطة شركة كورية جنوبية، لكن تبين أن النهر الجوفي يمثل مشكلة كبيرة، لأن تكلفة المتر المكعب من الماء تبلغ 35 سنتًا للدولار، بينما يتطلب الحصول على متر مكعب من المياه المحلاة 3 دولارات.
ورغم أن احتياطيات أحواض الكفرة وسرت وحمادة ومرزق لن تكون أبدية، لكن الخبراء يقدرون أن كمية المياه التي سيتم استغلالها تعادل 200 عام على الأقل من تدفق نهر النيل، وكان حفل التنصيب بمثابة انتصار شخصي للقائد الشهيد الذي اختار ذكرى ثورة الفاتح، إذ قال إن النهر العظيم من صنع الإنسان هو الأعجوبة الثامنة في العالم.
وحضر الاحتفال العديد من رؤساء الدول العربية في السلطة عام 1996م، مثل المصري السابق حسني مبارك، والملك الحسن الثاني ملك المغرب، ورئيس السودان عمر البشير، ورئيس جيبوتي حسن جوليد، حيث وجه القائد الشهيد خطابه لمبارك على وجه التحديد بدعوته لتشجيع هجرة آلاف المزارعين المصريين إلى ليبيا للعمل بالمزارع على طول الساحل.
وتشير التقديرات، وفقا للتقرير، إلى أن الشركة الكورية وظفت حوالي 15 ألف عامل لتنفيذ العمل، الذي اكتمل على عدة مراحل، حيث يمتد أول خط من مرزق إلى طرابلس بطول حوالي ألف كيلومتر، وافتتح في عام 1996م، كما تم حفر ثلاثة آلاف كيلومتر أخرى من الخنادق في الرمال، ومد مواسير المياه على طول الساحل لربط طرابلس ببنغازي.
وأكد التقرير أنه حتى اليوم، لم يكتمل مشروع النهر الصناعي العظيم، لكنه يمثل بالفعل أكبر عمل ضخم من نوعه تم بناؤه في العالم، لاسيما أنه ينقل حوالي مليوني متر مكعب من المياه يوميًا، حيث تم استخدام 400 حفار أمريكي ضخم لحفر الخنادق في الرمال، وكذلك الشاحنات المستخدمة لنقل أقسام الأنابيب الخرسانية التي تم بناؤها في مصنع البريقة في قوافل طويلة على المسارات الصحراوية.
وأفادت بأن المشروع واجه خطر السقوط بسبب العقوبات التي فرضها رئيس الولايات المتحدة في عهد الرئيس رونالد ريغان، بعد أن وصلت العلاقات بين الولايات المتحدة وليبيا إلى حافة الهاوية، لكن سلمت الشركة الأمريكية عملها، كما لم تلتزم أوروبا بالعقوبات الأمريكية باستثناء بيع الأسلحة.
واسترسل التقرير بأن العلاقات التجارية مع ليبيا كانت قوية للغاية بالنسبة للعديد من الدول الأوروبية، بما فيها إيطاليا، لكن خلال فترة بناء “النهر الصناعي العظيم”، افترض خبراء من وزارة الخارجية والدفاع الأمريكية أن القناة العملاقة يمكن أن تخفي نظامًا من الأنفاق التي يمكن استخدامها أيضًا لأغراض عسكرية، وفقا للتقرير.
وبحسب التقرير، كانت الأنابيب التي يبلغ قطرها أربعة أمتار كافية للسماح للرجال والمركبات بالمرور من جزء من البلاد إلى آخر باتجاه تونس ومصر وتشاد والسودان، وبالإضافة إلى حجمها الكبير، كانت الأنابيب المستخدمة في العمل عبارة عن بناء خزانات كبيرة تحت الأرض بحوالي عشرين مترًا في عشرين مترًا كل 50، أو 60 كيلومترًا من مسار خط الأنابيب.
ووفقًا للمشروع، كانت هذه غرف ضغط لتنظيم تدفق المياه في خط الأنابيب الكبير، لكن وفقًا للمخابرات الأمريكية، يمكن أن تكون أيضًا مناطق لإيقاف الجنود وإراحتهم أثناء العبور، كما أن مسار أحد خطوط الأنابيب تحت الأرض كان قريبا جدًا من جبل ترهونة، حيث بنى القائد الشهيد، أهم مصنع لبناء الأسلحة الكيماوية والبكتريولوجية، حسبما قالت المخابرات الأمريكية نفسها.