سخر وزير المالية السابق بحكومة الوفاق المنتهية ولايتها، فرج بومطاري، من محافظ ليبيا المركزي الصديق الكبير، قائلا إنه تحدث عن دين عام كبير إلا أنه يبدو وكأنه يتحدث عن دولة أخرى غير ليبيا “لأننا قبل أعوام كان لدينا دين عام صفر، وقانونًا الدين العام لدينا صفر”.
وأكد، في مقابلة مع فضائية “تبادل”، تابعتها “أوج”، أن الإصلاح هو العمود الفقري في مصرف ليبيا، ولو لم يتم الإصلاح في المصرف المركزي، فلن يتم حل جميع مشاكل الاقتصاد الليبي.
وأردف: “لم يسدد مصرف ليبيا المركزي مصاريف لأي قضايا وما ينشره بهذا الشأن غير حقيقي وغير واقعي، وتفاجأنا بأن المصرف دفع تعويضات لجهات خارجية وأضعف موقف الدولة الليبية في تلك الفترة”.
وأشار إلى أن ما فعله المصرف بسداده ديون شركات خارجية سيعتبر سابقة تستند عليها شركات أخرى إذا ما تحصلت على تلك الوثائق الرسمية، وسترفع قضايا لأن تسير أسوة بما فعله المصرف مع شركة “جينكيز”.
وتابع: “خاطبنا المركزي في تلك الفترة بعدم تجاوز حدوده وعدم سداد تلك الأموال، لكن الوقت كان قد تأخر، حيث كان المصرف قد دفع الأموال بالفعل، وتم توريطنا فعليا”.
ونبّه إلى أن أبسط ما يمكن أن تفعله الشركات الأخرى أن تسير إلى المصرف المركزي مباشرة لسداد الديون الخاصة بها متخطية وزارة المالية، وهذا أمر خطير جدًا ويجب محاسبة المسؤولين عنه.
وقال: “لا نستطيع حل مشكلة زيادة المرتبات بغض النظر عن باقي مشاكل الاقتصاد وسعر الصرف، ولا يمكن أن نحل مشاكل الديون ونحن ندرك أن مصرف ليبيا المركزي لا يصرف إيرادات القضايا الدولية وما إلى ذلك من أمور، فكلها أمور متشابكة”.
ولفت إلى أن تقرير المراجعة من ديوان المحاسبة تضمن العديد من المغالطات حول وزارة المالية بشأن الإفراجات عن الموظفين.
وبين أن التسويات السابقة سببت مشكلة كبيرة للميزانية، وكذلك الأحكام القضائية ونفقات القضايا في الخارج، التي تُدرج كل مرة في هذا البند بالميزانية، ولكن يتم رفضها من قبل مصرف ليبيا المركزي، لأسباب يعلمها الجميع، والتي خصص لها 600 مليون دينار والتي تتراكم ديونها إذا لم تسدد بصورة عاجلة.
وأوضح أنه تم تخصيص قيمة التعويضات وديون الجهات العامة والتي تقدر بنحو 7 أو 6 مليارات دينار، في الميزانية أيضًا.، فيما تم التصرف بأموال الديون لصالح شركة “جينيكز” التركية، من قبل المصرف المركزي، رغم أن المسؤول عن سداد الديون وزارة المالية.
وأشار إلى أنه أبلغ النائب العام بتلك الواقعة وخاطب إدارة القضايا لطلب الاستشارة الرسمية، وبعث لجميع الأجهزة الرقابية لإيقاف هذا الأمر.
وأكد أن قياس الميزانيات ليس بحجمها بل بهيكل الميزانية نفسها، مشيرا إلى أن هناك 3 أنواع من الإنفاق وكل واحدة لها آثارها على الاقتصاد، وهناك النفقات التسييرية وهذه أثرها سلبي، والمصروفات التنموية وأثرها إيجابي والمصروفات والإعانات وهي أثرها إيجابي أيضا.
وقال: راجعت الميزانيات منذ 50 عاما، ولم تنص أي ميزانية على وجود سياسة مالية فاعلة وتطبيق لسياسات مالية على أرض الواقع، وما نمارسه في السنوات الماضية هو معالجتنا لـ”التضخم الركودي”.
ورأى أن حل مشكلة التضخم في تقليل الإنفاق لكنه يضطر لتقليل النمو وتقليل الوظائف ما يدخل في مشاكل كبيرة، وهو ما يحتاج حكمة في هيكلة الميزانية واستعمالها.
وأشار إل أنه استهدف في السابق هيكلة الإنفاق المتمثلة في تعديل سعر الصرف والتي ساهمت في رفع باب التنمية في الميزانية وإعادة هيكلة الإنفاق التسييري عن طريق جدولة المرتبات وشبكة الضمان الاجتماعي لتحسين الاقتصاد الكلي للدولة.
وقال: لا نريد أن نحكم على الميزانية بالقدر الموجودة به من دون مراجعة هيكليتها وطريقة التنفيذ نفسها بالميزانية، لأنها مربوطة بسياسة النقد نفسها، مشيرا إلى أن مجرد تعديل سعر الصرف يمكن أن يرفع سعر البضائع القادمة من الخارج، وهذا يطلب قدرة على تشجيع التصدير المحلي.
وأكد أن سحب العملة من السوق وتضخيم الأسعار لن يحل أبدا كافة المشاكل الاقتصادية في البلاد، وهذه أمور معدومة بسبب عدم تعديل سعر الصرف، مضيفا “ما نشاهده اليوم في زيادة الإنفاق التسييري وإلغاء تخفيض الـ20%، وزيادة المرتبات بدون دراسة سيكون له آثار سلبية كبيرة في السنوات المقبلة”.
وأوضح أن إجمالي قيم زيادات المرتبات الموصوفة يمكن أن تصل إلى 70 مليار دينار تقريبا، وبالسير على نفس سعر الصرف سيكون كارثيا، وسيزيد الضغط على الدينار الليبي بصورة كبيرة.
وبين أن ما يحدث في حالة الركود بمجرد أن يتغير سعر الصرف سيرفع أسعار السلع وسيضغط على الأوضاع المعيشية للناس، وسيدفعهم للمطالبة بزيادة الرواتب وسندور في دوائر مفرغة، وعدم إيقافها ستستمر إلى ما لا نهاية، مضيفا “ما نخشى منه أنه سيكون هناك نفس الخطوات والإشكاليات السابقة”.
وأضاف: “ما لم نعرفه هل هناك خطوات مدروسة في ظل هذه الميزانية المقدمة بهذا الرقم الكبير، وهذا أمر يحتمل أكثر من وجه وأكثر من تأويل، وإذا كانت تحمل زيادات في الإنفاقات التسييرية فنحن سنسير في نفس الدائرة المفرغة”.
وأشار إلى أنه بافتراض أن هناك زيادة في حجم الإنفاق التنموي من دون خطة موضوعة، فإنه من دون تغيير سعر الصرف فلن يتم حل أزمة التضخم والبطالة وباقي أزمات الاقتصاد الليبي.
وقال إن هناك تقصير طيلة السنوات العشر الماضية من قبل الحكومات المختلفة، سواء من الدين العام والعدالة الاجتماعية والفجوة الاجتماعية ومشاكل الضمان والتضامن.
وأكد أن القطاع المصرفي كله متضرر نتيجة سياسات الصديق الكبير، مشيرا إلى أن ليبيا لا يوجد عليها أي دين عام بعد تعديل سعر الصرف مع وجود فائض يمكن أن تستعمله حكومة الوحدة المؤقتة.
وأشار إلى أن كثرة السرقات تأتي بسبب الفساد في النظام النقدي وسهولة في تحويل الأموال والهروب للخارج، مضيفا “يستطيع أي شخص بمكالمة هاتفية تهريب مليار أو اثنين خارج ليبيا، وهذه مسؤولية المصرف المركزي وليست وزارة المالية”.
ولفت إلى أن المواطن ليس لديه ثقة في الحكومة، وعلى أي حكومة تريد إعادة الثقة للمواطن الليبي أن تفكر في حل مشاكله قبل الدعم، مشيرًا إلى أن المصرف المركزي برئاسة الصديق الكبير دعا إلى دراسة محددات الاقتصاد الكلي قبل أي خطوة جديدة تتعلق بتعديل سعر الصرف.
وبين أن الدورة الدموية للاقتصاد تبدأ عند المركزي وتنتهي عند المصارف التجارية، الأمر الذي يؤثر على فتح المقاصة والاعتمادات من مصارف المنطقة الشرقية وسهولة التجارة وتحويل الأموال.
وقال إن العديد من شركات القطاع الخاص تضررت بشكل كبير ويعاني الاقتصاد الليبي من نقص البيانات، لافتا إلى أن هناك بعض المؤشرات الخطيرة فيما يخص تخطيط وتوزيع الاعتمادات، فبعض التجار يتحصل على اعتمادات تفوق ما يحصل عليه مصرف تجاري بالكامل.
وأضاف: “كنا نعمل داخل وزارة الاقتصاد على عدة مشاريع أبرزها إصلاح المالية العامة عن طريق مجموعة من الخبراء للتعاقد على منظومة لتنظيم العمل بين الوزارات والهيئات، ولا أعرف مدى استمرارها من عدمه مع الحكومة الحالية”.
وأوضح أنه وزارته عملت أيضا قبل مغادرتها على المشروع المتعلق بالحساب الختامي والمشاكل التي ظهرت عليه في السنوات الماضية، وكانت نسبة الإنجاز فيها مقبولة إلى حد ما.
وأكد أن الليبيين يخرجون من حرب لأخرى بخلاف أزمة كورونا مع تحرير سعر الصرف دون وضع أي حلول حقيقية تحسن الدخل الحقيقي للمواطن.
وقال إن هناك حوالي 70 أو 80% من الميزانية يؤول للدعم، وأي إجراء للحكومة تقدم فيها شيئا للمواطن دون مقابل يعتبر دعما مثل الخدمات الصحية والتعليمية والإعلامية، مضيفا “لدينا مشكلة أكبر في عملية توزيع الأموال التي تذهب غالبيتها على بند المرتبات لحوالي 2 مليون و300 ألف مواطن”.
ولفت إلى أن الموظفين ممنوعون من ممارسة أي نشاط اقتصادي، لكنهم يمارسونه في الظل ويتهربون من دفع الضرائب، حتى تشكل “الاقتصاد الموازي” نتيجة هذه التصرفات الخاطئة.
وأكد أن هناك حوالي 500 ألف ليبي بحاجة إلى إعانات اجتماعية، مضيفا “لدينا إشكالية في إعادة توزيع الأموال وحل الأزمات الاقتصادية ليس في رفع سعر الوقود”.
وأضاف: أكبر مشكلة واجهتني أثناء عملي على رأس وزارة المالية كانت عدم الاستقرار واستمرار العمل على المشروعات المخطط لها الأمر الذي كان يحبط أي موظف يعمل معنا لأنه لا يضمن استمرارية عمله”.