قال الباحث السياسي المقيم في الولايات المتحدة الأمريكية، حافظ إبراهيم الغويل، إن كل المؤشرات تؤكد استعداد الليبيين بعد أكثر من عقد من الفوضى والصراع التي حولت البلاد إلى ساحة معركة للمصالح الأجنبية، لإجراء الانتخابات في 24 الكانون/ديسمبر المقبل.
وأكد الغويل في مقالة له بصحيفة “عرب نيوز” السعودية الناطقة بالإنجليزية، طالعتها وترجمتها “أوج”، أن الليبيون ينتظرون بفارغ الصبر الفرصة في الكانون/ديسمبر لانتخاب هيئات سياسية شرعية من اختيارهم، بما في ذلك البرلمان الجديد والرئيس، بدلاً من الهيئات غير المنتخبة الحالية.
وأوضح الغويل أنه في الوقت الحاضر، استثمر مزيج خيالي من الشخصيات رأس مال سياسي كبير وقوة ناعمة في محاولة لتوجيه الشؤون الليبية لخدمة مصالحهم الضيقة، لافتًا إلى أن هذا الخلل خدم بعض الفاعلين المحليين بشكل جيد.
وذكر أنه بعد أربعة عقود من حكم القائد الشهيد معمر القذافي، رسخت الجهات الفاعلة نفسها بقوة السلاح والفساد، انتهاء بإقامة تسوية دائمة بإعطاء هذه الجماعات بعض الشرعية، قائلا: “الأهم من ذلك أنها مهدت الطريق أمامهم للهروب من المسؤولية عن الفظائع التي ارتكبت في السعي لتحقيق الديمقراطية في أرض مزقتها الحرب”.
وأضاف أنه رغم تلك التسوية وهذه المؤشرات، فإن أي احتمال لإجراء انتخابات في نهاية العام يمثل تهديدًا للجهات الفاعلة المحلية، مؤكدًا أن حكومة الوحدة المؤقتة لن تتنازل حسب الأصول عن العدالة الانتقالية، وستقوم بقمع الجهات المسلحة غير الحكومية بشدة، وتعمل على نزع سلاحها وتجريدها من مكاسبها غير المشروعة.
وأردف قائلًا: “ستستمر المصالح الخاصة في محاولة تشويش العملية السياسية، وإفشال أي تقدم نحو جعل انتخابات 24 ديسمبر حقيقة واقعة، ونتيجة لذلك يجب أن يكون لأمن الانتخابات والأمن القومي الشامل لليبيا أهمية قصوى”.
وتابع: “من المسلم به أن الانتخابات هي خطوة طموحة كبيرة نحو شيء ما، لا إلى الأمام ولا للخلف، فما ينتظرنا هو مجرد تكرار إضافي لنفس الفوضى المعوقة التي حرمت الليبيين من فرصة على مستوى معين من الديمقراطية بشروطهم الخاصة”.
واستدرك بأن ضغط الوقت جعل العديد من أصحاب المصلحة بما في ذلك الأمم المتحدة ووزير الداخلية في حكومة الوفاق المنتهية ولايتها فتحي باشاغا، يصرون على أنه حتى لو لم يكن الوضع مثاليًا، فإن إجراء الانتخابات مرغوب فيه أكثر بكثير من البديل، ومع الوقت تبنى السياسيون في العواصم الأوروبية هذا الموقف ببطء، ساعين إلى عدم جعل الكمال عدوًا للخير.
ورأى أن هذا السعي لتحقيق أي نتيجة بغض النظر عن التكاليف قد ترك العملية برمتها عرضة لنفس النوع من الاقتتال الداخلي والسياسة التي قضت على اتفاقية الصخيرات لعام 2015م وحكومة الوفاق المنتهيه ولايتها، كما حولت ليبيا إلى ساحة معركة للمصالح الأجنبية التي تقوم الآن بمناورة مرشحيها المفضلين في المناصب، لاقتطاع مناطق نفوذ من موطئ قدم قاموا بتأسيسه بالفعل.
وأفاد بأن التركيز على إجراء الانتخابات دون استراتيجية متماسكة للأمن القومي بعدها، ودمج مؤسسات الدولة المتشعبة، وكيفية التعامل مع المنطقة شبه المستقلة التي يسيطر عليها خليفة حفتر ورحيل المرتزقة، يضيف المزيد من عدم اليقين، مما يجعل الصراع لا مفر منه، وفق قوله.
وشدد الغويل على أن هناك واقع مؤسف آخر يهدف إلى إعاقة الانتخابات وتسهيل صعود حفتر، وهو الانقسامات المريرة بين مجلس النواب بقيادة عقيلة صالح، ومجلس الدولة الاستشاري، الذي يشبه مجلس الشيوخ، وآخرها على خلقية تصديق صالح من جانب واحد مؤخرًا على قانون يحكم الانتخابات الرئاسية باعتباره تشريعًا معيبًا.
وأكد أن هذا الخلاف حول الأساس القانوني للانتخابات، هو الآن خط المواجهة في الحرب السياسية بين الشرق والغرب، مما أدى إلى نشوء أزمات جديدة لم تساعد إلا في الحفاظ على الوضع الراهن.
وأكمل: “لقد فشل اللعب بجد مع الميزانية الوطنية وسحب الثقة في الحكومة المؤقتة المدعومة من الأمم المتحدة في نزع الشرعية عن طرابلس، فيبدو الآن أن كتلة صالح – حفتر، قد لجأت إلى هندسة العيوب في قانون الانتخابات، وتجاهل مناشدات التسويات الرئيسية، وإغلاق أي تحديات ذات مصداقية لها، وكل ذلك سيضمن فقط أن الانتخابات ستكون محل نزاع واعتبرها الكثيرون غير شرعية”.
وأشار إلى أن المجتمع الدولي قد استسلم، مبينًا أنه إذا هُزمت كتلة حفتر وصالح في الانتخابات، فمن المحتمل أن يتحدى مجلس النواب شرعيتها، أما إذا خرجوا منتصرين، فإنهم سيطالبون بتفويض لإعادة رسم المشهد الليبي بعد الانتخابات، مع وجود خطر جسيم يتمثل في رفض الجماعات المسلحة في الغرب لنتائج الانتخابات وحمل السلاح، مع دعم كبير من المدنيين الذين عانوا على أيدي حفتر وحربه على طرابلس.
وأوضح أن هذا سيؤدي إلى نتيجة واحدة وهي ليبيا أكثر انقسامًا مع اشتداد التوترات، وانهيار التسويات، ويتنافس المزيد من القادة السياسيين في المواجهة من الشرق والغرب للسيطرة على هذه المرحلة الحرجة من الانتقال الليبي المستمر منذ عقد من الزمن، مضيفا أنه في وسط كل هذا، هناك جمهور ليبي سيئ الحظ ومجتمع دولي منهك بسبب استمرار الطبقة السياسية المهتمة بمصالحها في عرقلة الانتقال الديمقراطي السلمي عن مساره.
وينتظر الليبيون إجراء الانتخابات الرئاسية والبرلمانية في 24 الكانون/ديسمبر المقبل، حسبما حدد أعضاء ملتقى الحوار السياسي بعد جولات واجتماعات مباشرة وافتراضية على مدار شهور خلال الفترة الماضية، برعاية بعثة الأمم المتحدة للدعم في ليبيا.
واختار أعضاء الملتقى السياسي سلطة تنفيذية جديدة تمهد لإجراء الانتخابات في موعدها المحدد نهاية العام الجاري؛ حيث فاز محمد المنفى بمنصب رئيس المجلس الرئاسي، وعبد الحميد الدبيبة بمنصب رئيس الوزراء بالسلطة التنفيذية الليبية، إضافة إلى موسى الكوني وعبد الله اللافي كعضوين بالمجلس الرئاسي، بعد فوز قائمهم في تصويت أعضاء الملتقى السياسي.
وسوم: الانتخابات الليبيةالفوضى والصراعالمصالح الأجنبيةالمصالح الخاصةتشويش العملية السياسية