وجه سفير ومندوب ليبيا لدى الأمم المتحدة، طاهر السني، رسالة إلى “القوى الأجنبية” بأن يتركوا ليبيا وشأنها لمعالجة أمورها بنفسها من دون أي تدخلات.
وقال السني في مقابلة مع صحيفة “عرب نيوز” السعودية، طالعتها وترجمتها “أوج” إن جهود ليبيا للتعافي بعد 10 سنوات من الحرب لا تتطلب مصالحة وطنية فحسب، بل مصالحة دولية بين الشعب الليبي والمجتمع الدولي.
وأكد أن هناك حاجة لبناء الثقة بين المجتمع الدولي والليبيين، وأن يبدأ الانسحاب المتزامن لجميع المقاتلين الأجانب والمرتزقة، ودعم إرادة الليبيين بإجراء العملية الانتخابية، مستطردا: “التحدي مع المرتزقة، يتمثل في أنه لا أحد يعترف بوجودهم، وهو ما نحتاج إلى تغييره في الفترة المقبلة”.
وذكر أنه طالما بقيت “الإرادة الحرة” في ليبيا رهينة للجماعات المسلحة ورعاتها الأجانب، فإن الصراعات ستستمر في اندلاعها في الوقت الذي يتسبب فيه انتشار مثل هذه الحروب بالوكالة في زعزعة الاستقرار في جميع أنحاء المنطقة.
وأضاف: “المتمردون الذين قتلوا الرئيس التشادي إدريس ديبي في أبريل على سبيل المثال، كانوا متمركزين في ليبيا، حيث جمعوا الأموال، وتمكنوا من الوصول إلى أسلحة متطورة واكتسبوا خبرة في ساحة المعركة كسلاح مقابل أجر”.
ورأى السني أن هذه الإنجازات الأخيرة، التي مهدت الطريق لوقف إطلاق النار وتشكيل حكومة وحدة مؤقتة لإنشاء الانتخابات البرلمانية والرئاسية المقرر إجراؤها في الكانون/ديسمبر، لم تكن لتحقق لولا توصل الليبيون والقوى الأجنبية على حد سواء إلى نتيجة مفادها أنه لا أحد يستطيع الانتصار في الحرب بالقوة العسكرية.
وتابع قائلا: “تمت تجربة كل شيء، وفي النهاية كان الجميع مقتنعين بأنه لا يمكن أن يكون هناك حل عسكري”، مضيفا أنه من حق دول المنطقة أن تهتم بالحفاظ على أمنها ومصالحها الوطنية، لكن من دون التدخل بالطريقة التي تفعلها تلك الدول، لأن هذا لن يحقق الاستقرار بالمنطقة ولن يعزز الاقتصاد.
وواصل: “ليبيا هي محور بين أفريقيا وأوروبا، وبين الشرق والغرب، والليبيون معروفون بتواضعهم، ولم يعد بإمكاني القول إن ليبيا بلد غني، لكن لديها الوسائل والموارد للعودة، ومع استقرار ليبيا، يمكننا العثور على صفقات مربحة للجميع ترضي المصالح الوطنية للجميع قدر الإمكان”.
ودعا السني لأن تعمل جميع الدول معا، وأن يضعوا الماضي ورائهم، ويبدأوا مرحلة جديدة، وألا يقدموا ذريعة للإرهاب والتطرف اللذين يغذيان التطرف الفوضى ويديمان الصراع.
وعن الانتخابات، تساءل السني: “في غياب إطار دستوري واضح يحدد مسؤوليات رئيس جديد، من يستطيع أن يضمن ألا يجد الليبيون أنفسهم في قبضة ديكتاتور آخر؟”، مؤكدا أن البعض يريد إجراء انتخابات برلمانية فقط، معتقدين أنه الخيار الأكثر أمانًا لأن تكون الدولة مستقرة وإعطاء المزيد من الوقت للإطار الدستوري المطلوب تطويره.
واتهم كذلك بعض الأطراف بأنها لا تريد أن تفقد سلطاتها حاليا، ويحاولون المناورة والعثور على الأعذار لعدم إجراء الانتخابات، وهناك أيضا من يخشى فقدان السلطة وفقدانه الشعبية التي يتمتع بها.
وأردف بقوله: “لدينا الآن ليبيون على الأرض سئموا من كل محاولات الماضي، ويريدون أن تكون ليبيا دولة بها فصل للسلطات، التحدي في هذا الأمر هو أن يكون لدينا رئيس شامل، وليس شخصًا لديه رغبة في الانتقام، لأن الذين لديهم طموحات ليكونوا رؤساء كل منهم ينتمي إلى جهة أو طرف معين، وهذا يخيف الناس”.
ووصف السني جميع المخاوف بأنها حقيقية، متساءلا: “لكن ما هي البدائل التي لدينا اليوم؟ وإذا قمت بتسمية جميع العقبات التي نواجهها اليوم، ويمكن للمرء أن يستنتج أن خطر عدم إجراء الانتخابات مرتفع”.
وأكمل: “حتى لو تم المضي قدمًا، فإن التحديات ستظل قائمة، ولكنها على الأقل توفر الأمل في التغيير ومستقبل أفضل، وأي شخص يعتقد أن الانتخابات ستحل كل مشاكل ليبيا هو ساذج”.
واسترسل قائلا: “نحن لدينا مريضا على مدى السنوات العشر الماضية ونحن نستخدم نفس الدواء، والآن لدينا خيار دواء جديد على شكل انتخابات، لسنا متأكدين من كيفية حدوث ذلك، إنها مخاطرة بنسبة 50/50، لكن مستوى معين من التمثيل الشرعي سوف يجعل الكرة تتدحرج”.
وحول المصالحة الوطنية، قال السني: “ينبغي أن تكون أساسا لأي سلام دائم في ليبيا، ومنذ إنشاء المفوضية العليا للمصالحة وحتى إطلاق سراح بعض السجناء، وإن كان ذلك بشكل رمزي، إلا أنها كانت هناك خطوات في الاتجاه الصحيح”.
وشدد على أهمية “العدالة الانتقالية”، كوسيلة نحو المصالحة الدائمة والشفاء الحقيقي للأمة، مستدركا بقوله: “لكي تكون هناك مصالحة وطنية شاملة، يجب الكشف عن الحقيقة وإصدار الاعتذارات”.
واعترف كذلك بأن مسؤولية المصالحة تقع في نهاية المطاف على عاتق الشعب الليبي نفسه، إلا أن السني شكك في عدم وجود دعم دولي مفيد لهذه الجهود، منتقدا دور الأمم المتحدة في دعم ملف المصالحة، بقوله إن الأزمة بمنهجية عمل البعثة الأممية، حيث تتبنى نهجا “من أعلى إلى أسفل”، وهو ما قوض دور المجتمع المدني.
وقال: “إذا تابعت لقاءات ملتقى الحوار الذي جرى، فقد كانت كلها مناقشات تقنية تناولت التحديات العسكرية والسياسية والاقتصادية، لكن لم يكن هناك مسار مصالحة وطنية حقيقي”، مضيفا: “لو تم تبني نهج من أسفل إلى أعلى والعمل مع المجتمع المدني، ومحاولة الوصول بشكل أفضل إلى الهيكل القبلي الذي يربط الليبيين معًا، لكان الوضع أفضل”.
وشدد على أن البعض حاول استخدام البنية القبلية الليبية، كوسيلة لتأجيج الحرب، قائلا: “لكن وجود القبائل ليس بالأمر السيئ، بل مفتاح ذهبي يمكن أن يقود إلى السلام إذا استخدم بشكل صحيح”.
وفيما يخص الاتفاق السياسي الموقع في الصخيرات، قال: “مشكلته في عدم تمثيل كل الأحزاب التي كانت لها سلطة فعلية على الأرض، وتم استبعاد العديد تمامًا، مثل الموالين للنظام السابق”.
وحذر السني من أن “هذا الإقصاء في أي مصالحة بعد الصراع هو أحد أكبر الأخطاء التي يمكن أن ترتكبها، والإقصاء يمكن أن يحدث أيضًا في شكل حكم مركزي، والذي يمكن، أن يجعل الناس الذين يعيشون خارج طرابلس، حيث يتركز جزء كبير من الثروة، يشعرون بالاستبعاد”.
وعلق السني آماله على الجيل القادم من الشباب الليبي، بقوله ”الأشخاص الوحيدون الذين سيحلون هذا هم شبابنا، إنهم يتمتعون بصوت عالٍ وأكثر وعياً من شيوخهم. المشكلة هي أنهم ما زالوا يفتقرون إلى التنسيق والقيادة”.
وانتقل السني للحديث عن مزاعم الانتهاكات الصارخة لحقوق الإنسان في مراكز الاحتجاز الليبية، معربا عن أسفه لأن بلاده أصبحت مكانًا “يموت فيه الأبرياء”، إلا أنه نفى أي اتهام بممارسة التعذيب المنهجي، مناشدا المجتمع الدولي مرة أخرى “مساعدتنا في جعل ليبيا مستقرة وسيتم حل هذه القضايا”.
وتابع قائلا: “نحن ضد مثل هذه الانتهاكات تمامًا، ونعمل بجد لإصلاح النظام وحماية الفئات الأكثر ضعفًا، ولكن هناك فرق بين حكومة لا تهتم وحكومة تحاول حقًا، وترى ذلك كأولوية، ولكنها موزعة مع كل التحديات المختلفة الأخرى ولديها مشاكل في الموارد”.
وذكر أن المشكلة تكمن في نفاق الغرب وعدم رغبته في إيجاد حل شامل لأزمة المهاجرين، مطالبا بعدم إلقاء اللوم على بلد في حالة نزاع لما يحدث داخله، عندما يتعلق الأمر بالمهاجرين، خاصة أن المهاجرين الذين يأتون إلى ليبيا يهدفون إلى الاستمرار في الوصول إلى أوروبا، لا أحد يريد أن يعيش في جحيم الصراع، هذا بديهي.
واستنكر “المعايير المزدوجة” للمجتمع الدولي، بقوله ”يطلبون منا استيعاب هؤلاء المهاجرين عندما يعلمون أن مواردنا ضيقة للغاية، ويطلبون منا إغلاق مراكز الاحتجاز لكنهم لن يخبرونا ماذا نفعل مع المهاجرين الذين يدخلون بشكل غير قانوني، أو أولئك الذين يتم القبض عليهم في البحر وإعادتهم إلى ليبيا، إذا كنت تهتم حقًا بالمهاجرين، فاتفق على حصة من التمويل أيضًا واستقبل بعضًا منهم”.
واختتم بقوله: “المشكلة أكبر من مجرد الحديث عن انتهاكات، فنحن نريد أن نوجه لهم: قبل أن تلومونا لوموا أنفسكم”.
وسوم: أنصار النظام السابقإجراء الانتخاباتاتفاق الصخيراتالقوى الأجنبيةالمصالحة الوطنيةخروج المرتزقة