أوج – باريس
اعتبر الأمين التنفيذي للجنة الأمم المتحدة الاقتصادية لإفريقيا، والاقتصادي الغيني، كارلوس لوبيز، أن الطريقة التي يتعامل بها الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، مع النزاعات في ليبيا، ومعضلات الخلافة الأخيرة في تشاد، تُظهر فهمًا للديناميكية الأفريقية الداخلية، التي تُعد عملية منعشة لباريس.
ورأى لوبيز في مقال له نشرته صحيفة “Jeune afrique”، طالعته وترجمته “أوج”، دار محوره حول القمة القادمة المخصصة لتمويل الدول الإفريقية والمقرر عقدها في 18 الماء/مايو الجاري في العاصمة الفرنسية، أنه لا شك أن ماكرون نشط في مقاربته لـ”أساسيات” العلاقة بين فرنسا ومستعمراتها الإفريقية السابقة، مشيرًا إلى أن الديناميكية الجديدة التي تتبعها باريس، والتي تتميز بالرغبة في تغيير بعض الممارسات التي ميزت ما أسماها “فرانس أفريقيا”، تدعو بشكل خاص إلى تجاوز ما يسمى المنطقة لاحتضان القارة بأكملها.
وأشار إلى أن تنظيم قمة باريس للمناخ، كان بمثابة منصة أولية جيدة، قبل انخراطها في قضايا رئيسية متعددة الأطراف مثل المآزق التجارية، وفرض الضرائب على عمالقة التكنولوجيا، أو في الآونة الأخيرة، التشكيك في قومية اللقاحات، لافتا إلى أن خلق الجدل العنيف حول كيفية إدارة الديون السيادية الأفريقية، كان سبيلًا آخر لفرنسا داخل مجموعة السبع وحتى مجموعة العشرين.
وذكر أن باريس كانت هي أول من اقترحت إصلاح النهج الحالي، بما في ذلك من خلال إلغاء الديون الأفريقية بدلاً من تخفيفها ومن خلال الوصول الفوري إلى حقوق السحب الخاصة غير المستخدمة لصندوق النقد الدولي، من أجل جعل الاقتصادات الأفريقية أكثر سيولة.
وأضاف: “الضغط على الشركات الفرنسية لإعادة تقييم فرص الاستثمار في إفريقيا وتعبئة الشتات للانخراط بشكل أكبر في ريادة الأعمال في القارة أمر يستحق الثناء؛ وكذلك الزيادة في مخصصات مساعدات التنمية”.
واعتقد أن وصف ماكرون، للقمة المرتقبة حول التمويل الأفريقي بأنها “صفقة جديدة”، يعني أن هناك خطة تتبعها سلسلة من الخطط الأخرى، بما في ذلك خطة المستشارة أنجيلا ميركل وخطة رئيس المفوضية الأوروبية جان كلود يونكر، دون إحراز تقدم حقيقي في أهداف التنمية المستدامة، بما في ذلك القضاء على الفقر بحلول عام 2030م، قبل أن يشير إلى أن الفجوة بين تصريحات ماكرون، والواقع على الأرض أصبحت صارخة.
وأردف: “لمواجهة هذا المأزق يجب التطرق إلى أن سياسة إيمانويل ماكرون، قد تشوه سجله الأفريقي، حيث كان خطاب “داكار” والمشاركة المباشرة في ليبيا علامة على ولاية الرئيس ساركوزي، وهذه حقائق يجب أن يعكسهما ماكرون”.
يذكر أنه في 27 الربيع/مارس الماضي، أكدت مجلة “جون أفريك” الفرنسية، المقربة من دوائر الاستخبارات، أنّ فرنسا تستشعر أن لديها دينًا تجاه ليبيا يجب سداده، يعود إلى التدخل عام 2011 لإسقاط النظام الجماهيري، ما أدى لاحقًا إلى عشرية من الفوضى عاشتها البلاد.
واستشهدت المجلة، في تقرير لها، طالعته “أوج”، بأن الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون تحدث خلال زيارة رئيس المجلس الرئاسي الليبي محمد المنفي إلى باريس قبل أيام عن “دين” تحمله فرنسا تجاه ليبيا، مبررًا بذلك دعمه للقيادة الليبية الجديدة التي من المفترض أن تقود البلاد إلى الانتخابات في الكانون/ديسمبر المُقبل.
وقالت المجلة: “علاقات فرنسا مع الحكومة السابقة بقيادة فائز السراج تدهورت بشكل سيئ خلال هجوم خليفة حفتر على العاصمة طرابلس، واكتشاف صواريخ فرنسية في مناطق كانت خاضعة لسيطرة حفتر، لكن في لقائه محمد المنفي لم يشر الرئيس الفرنسي إلى هذا الجانب البغيض لسياسة فرنسا تجاه ليبيا”، مؤكدة أن “الدَين” المذكور يشير إلى تدخل فرنسا ضد القائد الشهيد معمر القذافي عام 2011م والذي تسبب في “عقد من الفوضى”، بحسب الرئيس الفرنسي.
وعلّق التقرير: “سيكون هناك بالفعل الكثير مما يمكن قوله حول هذا التدخل، حقيقة أن تفويض الأمم المتحدة لم ينص على الإطاحة بالنظام، ومسألة تمويل حملة نيكولا ساركوزي من قبل القذافي، وما إذا كان اغتياله يعكس الرغبة في استبعاد الحلول المقترحة من قبل الاتحاد الأفريقي، وقد أظهر الرئيس الفرنسي في هذه المناسبة أنه قادر على اتخاذ قرار واضح بشأن السياسة الخارجية لفرنسا، وهو موقف لم يكن متكررًا في تاريخ الجمهورية”.
وتابع: “بقدر ما يكون هذا الاعتراف بمسؤولية فرنسا مفيدًا، فإنّ ماكرون قد يكون أخطأ أو تسرع، فقبل كل شيء لم تكن فرنسا الوحيدة التي انطلقت في المغامرة الليبية في عام 2011م، وبالتالي فإن المسؤولية مشتركة، لكن قبل كل شيء فهو إنكار لأي دور لليبيين أنفسهم في إسقاط نظام القذافي” مضيفًا: “مهما كانت مسؤوليتها في الفوضى الليبية لم تكن فرنسا هي التي دفعت الليبيين للتظاهر ضد النظام السابق في عام 2011م”.
وأردفت: “تصريح الرئيس الفرنسي جاء من منطق مُغرٍ، لكنه خاطئ حين اعتبر أنّ الوضع في ليبيا اليوم سيكون نتيجة مباشرة للإطاحة بالنظام في عام 2011م، ونفس الشيء يُسمع عن العراق الذي يعاني عللا كثيرة تُنسب إلى الحملة الأمريكية عليه عام 2003م، كما لو أنه لا ليبيا ولا العراق يعانيان من انقسامات داخلية شديدة بغض النظر عن التدخلات الغربية”.
واستدركت: “الشريط الهزلي لصحفي موقع (ميديابارت) فابريس عرفي، الذي جاء تحت عنوان: ساركوزي القذافي– الأوراق النقدية والقنابل”، صدم القارئ من خلال الأطروحة المتمحورة حول فرنسا، والتي دافع عنها المؤلف، وفكرته أن تدمير ليبيا كان في الأساس نتيجة لتمويل القذافي حملة نيكولا ساركوزي الرئاسية عام 2007م، حيث اختفى الليبيون من المشهد، وبدا أنّ الآراء والقوى الغربية تتخيل أنها تتحكم سلباً أو إيجاباً في مصائر العالم العربي”.
وخلص التقرير إلى القول: “سواء لعبت دورًا جيدًا أو سيئًا في ليبيا، لا يمكن لفرنسا أن تنسى أن الليبيين هم الفاعلون الرئيسيون في وضعهم الخاص، وأن وضع حد لهذا (العقد من الفوضى) الذي ذكره الرئيس الفرنسي هو قبل كل شيء مسؤوليتهم، وما يتفقون عليه هم أنفسهم بالدعوة إلى وضع حد للتدخل الخارجي اللا محدود في بلادهم، بما في ذلك تدخل فرنسا”.