أوج – صحيفة رأي اليوم
كان واضحًا وجليًّا جدًا أنّ القيادة الصهيونية أُبلغت من قبل واشنطن عن نوايا الأخيرة المُبيتّة ضدّ سوريّة، والإشارة الأولى لهذا الأمر كانت تصريحات وزير الأمن الصهيوني، أفيغدور ليبرمان، أمس الخميس لصحيفة (يديعوت أحرونوت) العبريّة، والتي أكّد فيها على أنّ الرئيس السوريّ، د. بشّار الأسد، هو الذي أصدر الأمر شخصيًا باستخدام الأسلحة الكيميائيّة، مُشيرًا في الوقت عينه إلى أنّ معلوماته مؤكّدةً مائة بالمائة.
علاوةً على ذلك، الإعلام العبريّ المًتطوّع لصالح الأجندة الصهيونيّة، القائمة على تكريس التفوّق الإسرائيليّ، تجنّد بكامل قواه لتأليب الرأي العّام في الدولة العبريّة ضدّ سوريّة، قيادةً وشعبًا، ذلك أنّ فشل رهانات تل أبيب على تقسيم سوريّة ما زالت تؤلم وتُوجع صنّاع القرار في الدوائر السياسيّة والأمنيّة، ولكنّ القشّة التي قصمت ظهرت البعير، من وجهة نظر الصهاينة، كانت التصدّي السوريّ للهجوم الإسرائيليّ على قاعدةٍ سوريّةٍ بالحجّة الممجوجة بأنّه يتّم نقل أسلحة نوعيّةٍ ومتقدّمةٍ ومتطورةٍ إلى حزب الله اللبناني، واليوم بعد العدوان الأمريكيّ على سوريّة، تبينّ أنّ القاعدة الجويّة التي استُهدفت من قبل صواريخ “توماهوك” الأمريكيّة، هي نفس القاعدة الجويّة التي تمّ من خلالها اعتراض الطائرات الإسرائيليّة وتوجيه صاروخ إلى داخل العمق الإسرائيليّ، الذي أحرج إسرائيل وأربكها ودفعها للمرّة الأولى للاعتراف بأنّها هي التي نفذّت الهجوم.
القصف الأمريكيّ، كما أكّدت المصادر السوريّة، كان متوقعًا، ولكن ما كشف عنه المُحلل للشؤون العسكريّة في موقع (YNET)، التابع لصحيفة (يديعوت أحرونوت)، رون بن يشاي، عن أنّ القاعدة التي قُصفت في العدوان الأمريكيّ صباح اليوم، هي نفس القاعدة التي انطلقت منها الصواريخ السوريّة التي اعترضت المُقاتلات الإسرائيليّة أكّد المؤكّد وأوضح المُوضّح: الهدف الاستراتيجي الأمريكيّ، بحسب المصادر في تل أبيب، هدف لتوجيه رسالةٍ إلى السوريين والإيرانيين ولحزب الله أنّ أمن الدولة العبريّة بالنسبة لواشنطن هو خّطٌ أحمرٌ، لا يُسمح لكائن مِنْ كان تجاوزه. من هنا يُمكن تفسير الفرحة العارمة، لا بلْ النشوة الإسرائيليّة، التي عبّرت عنها القيادة وعكسها الإعلام العبريّ في تحليلاته لما جرى صباح اليوم في سوريّة.
في صحيفة (هآرتس) العبريّة، المحسوبة على ما يُطلق عليه زورًا وبُهتانًا اليسار الصهيونيّ، شدّدّ المُحللون على جرأة وبسالة الرئيس الأمريكيّ، دونالد ترامب، الذي خلافًا لسلفه، باراك أوباما، لم يتلعثم، بل قام بتأديب الرئيس السوريّ على استخدامه الأسلحة الكيميائيّة ضدّ “الأطفال الجميلين”. وتابعت الصحيفة قائلةً إنّه بعد أنْ ينقشع الغبار عن القصف الأخير، فإنّه ستكون أمام الرئيس ترامب فرصةً تاريخيّةً لتغيير المعادلة في سوريّة، وتغيير المعادلة بحسب وجهة النظر الإسرائيليّة، تتلخّص في إضعاف محور المقاومة والممانعة، سوريّة، إيران وحزب الله، لصالح فصائل المعارضة المسلحة، علاوةً على دعم الدول الإقليميّة العربيّة منها وغير العربيّة، والتي أعربت عن تأييدها للعدوان الأمريكيّ على هذا البلد العربيّ.
بكلماتٍ أخرى، من خلال الإعلام العبريّ وتصريحات قادة دولة الاحتلال يتبيّن عمق الأزمة التي يعيشها النظام العربيّ الرسميّ بعد مؤتمر القمّة الأخيرة في البحر الميّت. زعماء عرب يحّجون إلى واشنطن، والأخيرة تستقبلهم بحفاوةٍ بالغةٍ، ومن ثمّ تقوم بالتنسيق مع إسرائيل، وتعتدي على دولةٍ عربيّةٍ، ضاربةً عرض الحائط بالقوانين الدوليّة والمواثيق، تمامًا كما ابتدع الرئيس الأسبق، جورج بوش الابن، قضية الأسلحة الكيميائيّة لتبرير الغزو الأمريكيّ-البريطانيّ لبلاد الرافدين، بهدف تفتيت هذا البلد العربيّ وإضعافه وتقسيمه إلى كيانات طائفيّة وإثنية وعرقيّة، بشكل يتساوق مع المصالح الإستراتيجيّة للدولة العبريّة، الربيبة الحبيبة المُفضلّة لدى واشنطن.
إلى ذلك أكّدت مصادر سياسيّة رفيعة في تل أبيب، على أنّ رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو، سيعسى مع واشنطن لتوظيف العدوان على سوريّة بهدف إقامة مناطق عازلة على حدود إسرائيل مع سورية، وعلى حدود سورية مع الأردن. وشدّدّت المحافل عينها على أنّ نتنياهو معني بأنّ كل تسوية مستقبلية لإنهاء الحرب في سورية تشتمل على إقامة مناطق عازلة في الجولان على الحدود بين سورية وإسرائيل، وكذلك على الحدود بين سورية والأردن لمنع إقامة قواعد لإيران وحزب الله في هذه المناطق.
وتابعت المصادر عينها، كما أفادت الإعلام العبريّ أنّ نتنياهو طرح ذلك في المحادثات التي أجراها في الأسابيع الأخيرة مع الإدارة الأمريكيّة، ومع جهاتٍ دوليةٍ أخرى. فإسرائيل، ما زالت تعيش كابوس الجنوب اللبنانيّ، والخسائر التي لحقت بها بفعل ضربات حزب الله النوعيّة، والتي دفعت في شهر مايو من العام 2000 إلى الهروب من لبنان بشكلٍ سريٍّ، وهي تخشى اليوم من اقتراب حزب الله من الجزء المحرر من مرتفعات الجولان لفتح جبهةٍ جديدةٍ ضدّ إسرائيل، تمامًا كما فعل في الجنوب اللبنانيّ.
بالإضافة إلى ما ذُكر أعلاه، فإنّ نتنياهو، وتحديدًا بعد دخول الرئيس ترامب إلى البيت الأبيض، يعمل على إقناع الأمريكيين بضرورة منح إسرائيل فرصةً للمُشاركة في أيّ حلٍّ سياسيٍّ في سورية، لا بل أنّ الوقاحة والصلف الإسرائيليين وصل إلى أبعد من ذلك، عندما طالب، وما زال، نتنياهو بأنْ تعمل واشنطن على إقناع المجتمع الدوليّ بالسيادة الإسرائيليّة على الجزء الذي تحتلّه هذه الدولة المارقة منذ عدوان يونيو من العام 1967.